فی تعیین أنّ ایّ مقولة من المقولات تقع فیها الحركة.

و أیّها لم تقع فیها.

واعلم أنّ الحركة لكونها ضعیفة الوجود تتعلق بأمور ستة: الفاعل و القابل و مافیه الحركة و مامنه الحركة و ماإلیه الحركة و الزمان.

أمّا تعلقها بالقابل فبیّنّا، و أمّا تعلقها بالفاعل فقد علمت أیضاً بوجهین [1]، إذ قد علمت أنّ تعلقها بالفاعل و القابل علی ضربین: ضرب یوجب اختلافهما بالحقیقة كما یتخالف مقولة أن یفعل و مقولة أن ینفعل [2]، و ضرب لایوجب اختلافهما كما فی لوازم الذوات و لوازم الماهیات كحرارة الصورة الناریة [3]و زوجیة الأربعة.

و أمّا تعلقها بما منه و ما إلیه فیستنبط من حدّها لأنّها موافاة حدود [4]بالقوة علی.

الاتصال، و ربما كان ما منه و ما إلیه ضدّین، و ربما كانت أموراً متقابلة بوجه فلا یجتمعان معاً [5]، و ربما كان ما منه و ما إلیه مما یثبت (یلبث خ ل) الحصولان فیهما زماناً حتی یكون عند الطرفین سكون كما فی الحركات المنقطعة، و ربما لم یكن كالحال فی الفلك.

قال بعض الحكماء: و ربما كان المبدء فیه هو المنتهی بعینه كما فی الفلك [6]؛ فباعتبار أنّ منه الحركة هو المبدأ و باعتبار أنّ إلیه الحركة هو المنتهی ، و هذا غیرصحیح فإن وصول الفلك فی الحركة الیومیة إلی الوضع الیومی عند الطلوع مثلاً غیر وضعه الأمسی عنده بالشخص و الهویة بل مثله، فیكون المبدأ غیر المنتهی بالذات. و لا حاجة فیه إلی اعتبار الجهتین إلاّعند المقایسة إلی السابق و اللاّحق كما فی جمیع الحدود الآنیة؛ فإنّ كلا منها مبدء لشی ء و منتهی لشی ء آخر. واعلم أنّ تسمیة حدود الحركة الوضعیة الفلكیة بالنقط علی المسامحة، فإنّ تلك الحدود بالحقیقة أوضاع آنیة وجودها بالقوة إلاّأنها قوة قریبة من الفعل [7].

أمّا تعلق الحركة بما فیه الحركة فهو ألصق حتی ذهب جماعة ألی أنها نفس المقولة الّتی وقعت فیه الحركة [8]، و لیس ذلك بصحیح مطلقا [9]بل هی كما أشرنا إلیه تجدد تلك المقولة [10]، نعم، هی بعینها مقولة أن ینفعل إذا نسبت إلی القابل، و مقولة أن یفعل إذا نسبت إلی الفاعل، و لهذا یمتنع أن تقع الحركة فی شی ء منهما لأنها الخروج.

عن هیأة و الترك لهیأة، فهی یجب أن یكون خروجاً عن هیأة قارة لأنها لو وقعت فی هیأة غیرقارة لما كان خروجاً عنها بل إمعاناً فیها [11].

و بالجملة [12]معنی الحركة فی مقولة عبارة عن أن یكون للمتحرك فی كل آن فرد من تلك المقولة، فلابدّ لما یقع فیه الحركة من أفراد آنیة بالقوة، و لیس لتینك المقولتین فرد آنی. مثلا [13]إن وقعت الحركة فی التسخین یجب أن یكون إلی التبرید فیلزم أن یكون الجسم فی حالة تسخنه متبرّداً مع أنه لم یخرج عن التسخن (التسخین خ ل) حتی یكون متحركاً فیه و إن كان فی اثناء حركته ترك التسخن، فالحركة فی غیر مقولة أن ینفعل. و كذا لایمكن الحركة فی مقولة متی [14].

و أمّا الإضافة فإنها و إن وقعت فیها التجدد لكن وجود الإضافة غیرمستقل بل الإضافة تابعة لوجود الطرفین فلا حركة فیها بالذات كما مرّ، و كذا الجدة فإنّ حركتها تابعة لحركة أینیّة فی العمامة أو نحوها [15]فلم یبق من المقولات الّتی یتصور فیها الحركة إلاّأربع عند الجمهور و خمس عندنا: الجوهر و الكیف و الكم و الأین و الوضع.

و السكون یقابلها تقابل الضد أو العدم، و تفصیله فی كتاب الشفاء، ولكن هذا العدم یصح أن یعطی رسماً من الوجود لأنّ الذی هو عدم بالإطلاق لیس بموجود أصلا، و الجسم الّذی لیس فیه الحركة و هو بالقوة متحرك، فلا محالة له وصف زائد [16].

یتمیز به عن غیره، و لو لم یكن زائداً لما فارقه إذا تحرّك [17]. فإذن هذا الوصف للجسم لمعنی مّا فیه فلا محالة له فاعل و قابل [18]، و لیس كعدم لاحاجة فی الاتصاف به إلی شی ء كعدم القرنین فی الإنسان مما لا ینسب إلی وجود و قوة [19]بخلاف عدم المشی له، فإنه یوجد عند ارتفاع علة المشی و له وجود بنحو من الأنحاء [20]و له علة هی بعینها علة الوجود بالقوة [21]، و من هیهنا یعلم أنّ علة الحركة یتضمن فیها معنی العدم كما مرّت الإشارة إلیه، و هذا العدم المعلول لیس هو الأشیاء علی الإطلاق [22]بل هو لا شیئیة شی ء فی شی ء مّا معین بحال مّا معینة و هی كونه بالقوة.

---