فی أن المبدء القریب لهذه الافاعیل و الحركات المخصوصة لیس أمرا مفارقاً عن المادة.

فنقول: إختصاص هذا الجسم بقبول هذا التأثیر عن مفارق لا یخلو إمّا لأنّه جسم أو لقوّة فیه أو لقوّة فی المفارق [1]أمّا الأول فیلزم أن یشاركه فیه كل جسم كما عرفت و لیس الأمر كذا. و أمّا الثانی و هو أن یكون بقوة [2]فیه [3]فهو المطلوب. و أمّا الثالث فتلك القوة فی المفارق [4]إمّا أن یكون نفسها یوجب هذا التأثیر فیكون الكلام فیه كالكلام فی المفارق و قد مرّ، و إن كان علی سبیل الإرادة فلا یخلو إمّا أن یكون.

الإرادة میّزت هذا الجسم بخاصیة فیه أو لا، بل أثّر فیه جزافاً، فإن كان تأثیره جزافاً كیف اتفق لم یستمر أوضاع العالم سیّما الأفلاك علی هذا النظام الدائمی أو الأكثری إذ الاتفاقیات كما ستعلم [5]لیست بدائمة و لا أكثریة، لكنّ الامور الطبیعیة أكثریّة أو دائمة و لیس فیها شی ء بالاتفاق و الجزاف [6]كما ستعلم أنّ جمیعها متوجهة نحو أغراض كلیّة فلیست إذن باتفاقیة. فبقی أن یكون بخاصیة فیه، و یكون تلك الخاصیة لذاتها موجبة للحركة و هی القوة و الطبیعة و هی الّتی بسببها یطلب الجسم بالحركة كمالاتها الثانیة [7]من أحیازها و أشكالها و غیر ذلك، و سنتكلم فیها فی باب الصور الجسمانیة [8]، و مثل هذه الطبیعة [9]إذا عرضت للأجسام حالة غریبة كالماء إذا سخن [10]، و الأرض [11]إذا ارتفعت و الهواء إذا انضغط بالقسر [12]، ردتها الطبیعة بعد زوال المبدء الغریب و القاسر إلی حالتها الطبیعیة [13]و حفظت علیها تلك الحالات [14]فردت الماء إلی.

برودته، و الأرض إلی مكانها الأسفل، و الهواء إلی قوامه و رقته، و كذا الأبدان إذا انحرفت امزجتها و مرضت باستیلاء بعض العناصر، فاذا قویت الطبیعة المدبرة إیاها ردتها إلی المزاج الموافق. و من هاهنا أیضاً یعلم أنّ النفس لیست بمزاج [15]فانّ المزاج المعدوم لا یعید ذاته إلی الحالة الأصلیة لاستحالة إعادة المعدوم.

---