فی أن كل حادث یسبقه قوة الوجود و مادة تحملها [1].

كل ما لم یكن یسبقه قوة الوجود فیستحیل حدوثه، و كل كائن بعد ما لم یكن بعدیة لا یجامع القبلیة فإنه یسبقه مادة [2]، و ذلك لأنه قبل وجوده یكون ممكن الوجود لذاته [3]، إذ لو كان ممتنعاً لم یكن یوجد أصلا، و لو كان واجباً لم یكن معدوماً؛ فإمكان [4]وجوده غیر قدرة الفاعل علیه لأنّ كون الشی ء ممكن الوجود حالة له بالقیاس إلی وجوده لا إلی أمر خارج عنه؛ فإذن لإمكان وجوده حقیقة یسبق وجودها وجود ذلك الممكن و هذا الإمكان عرض فی الخارج لیس من الامور العقلیة المحضة [5]و الاعتباریة الصّرفة.

لأنه إضافة مّا منسوبة إلی ما هو إمكان وجوده، فیكون الإضافة مقوّمة له [6]. و لیس إمكان الوجود المطلق [7]جوهراً و لا عرضاً غیر نفس الإضافة، و لو كان الإمكان جوهراً لكان له وجود خاص مع قطع النظر عن الإضافة، و لو كان كذلك لكان قائم الوجود بذاته لا منشأ لامكانه [8]، و كذا لو كان عرضاً قاراً [9]، فقدعلم أنه لیس لإمكان الوجود مطلقاً [10]وجود فی الخارج ثم یعرض له الإضافة من خارج [11]، بل الموجود من إمكان الوجود هو الإمكانات المخصوصة حتی یكون مضافاً مشهوریّاً لا حقیقیاً [12]؛ .

فهی أعراض لموضوعات، و الإضافة مقومة لإمكان وجود كذا [13]، و الجوهر لایقومه العرض فهو عرض [14]فیجب أن یكون موجوداً فی موضوع، فلنسمّ هذا الإمكان قوة الوجود [15]و حاملَه موضوعاً و مادة و هیولی [16]باعتبارات؛ فهذا الإمكان أمر وجودی [17] و إن صحبه العدم [18]، و هو عام عموم التشكیك مثل الوجود المطلق یدخل تحته معان هی إمكانات مجهولة الأسامی [19]یعبَّر عنها بإمكان وجود كذا و كذا؛ فإذن كلّ حادث.

قد سبقه المادة- و المادة هی سبب من أسباب الحدوث [20]- و حیث یكون حدوث و كون و فساد، یجب أن یكون الهیولی للكائن و الفاسد واحدة و إلاّلكان یلزم حدوث الهیولی رأساً و هذا محال، لأنه یلزم أن یكون الهیولی الحادثة یسبقها إمكان الوجود فیكون لإمكانها هیولی اُخری فیتسلسل، و هذا محال إلاّعلی وجه ستقف علیه من تجدّدها مع تجدد الصورة علی الاتصال [21].

و اعلم أنّ موضوع الإمكان یجب أن یكون مبدعاً [22]و إلاّیسبقه موضوع آخر [23]و كذلك إلی ما لانهایة له لأنه متی فرض كذلك یلزم أن یسبق للإمكان إمكان [24]. و مما یجب أیضاً أن یعلم أنّ الإمكان الذی یعدم مع الفعل فله سبب و لا محالة یكون حادثاً، و یسبقه لا محالة إمكان آخر سبقاً زمانیاً إلی لانهایة [25]. ثم الهیولی و كذا كل مادة بما هی مادة لها قوة أن یصیر بالفعل شیئاً لا علی أن یوجد، و إمكان الصّورة هو أن یوجد لاعلی أن یصیر بالفعل شیئاً فإنها هی فعل [26]؛ .

فنقول [27]: إنّ إمكان وجود الصورة صفة موجودة فی هیولاها إذا عقلت تلك الصّفة عقلت أنها إمكان وجود الصّورة، مثال ذلك سعة الحوض فإنها صفة للحوض فإذا أحضره الذهن و أحضر قدر ما یسعه من الماء كانت إمكان وجود الماء [28]؛ و كذا صحن الدار صفة الدار فإذا عُقل و عُقل ما یسعه من الرجال كان إمكان وجودهم. فبهذا ینحلّ شبهة من یقول إنّ الموجود كیف یكون مضافاً إلی المعدوم؛ فإنّ حد المضاف كون الشی ء بحیث إذا عقل عقل معه اتصاف إلیه، و إن قیل [29]إنّ سعة الحوض و صحن الدار كل منهما معنی وجودی و القوة معنی عدمی كان كل منهما [30]بالقیاس إلی ما یسعه و هو الماء مثلا لا إلی الوجود هو معنی عدمیاً، و القوة التی هی بالاطلاق معنی عدمی هی ما.

یكون بالقیاس إلی الوجود مطلقاً [31].

تنبیه إنّ بعض الحوادث یكون إمكان وجوده بأن یكون موجوداً فی المادة، و بعض الأشیاء یكون إمكان وجوده بأن یكون مع المادة لا فیها؛ فالأول كالصور الجسمیة [32]و الثانیة كالنفوس الإنسانیة [33]لیس وجودها فی المادة ولكن مع المادة كما ستعلم فی علم النفس، و المادة هی المرجحة لوجود النفس علی عدمها [34]إذ كل ما هو ممكن الوجود فقوته علی الوجود و العدم سواءٌ؛ فیجب أن یكون له سبب مرجّح یمیله إلی أحد الطرفین [35]، لأنّ الواهب جواد یكفیه أقل مرجح [36]یخرج الشی ء عن الحد المشترك بین الوجود و العدم؛ فتبین لك أن المادة علة لوجود النفس علی هذا الوجه لا غیر إذ المادة یحتاج إلیها لوجهین: أحدهما لأن یتقوم بها الموجود عنها و هذا لیس للنفس النطقیة. و الثانی لأن یرجح وجود الشی ء علی عدمه، و المحتاج إلیها من المادة فی النفس هو هذا فالمادة بالحقیقة للحوادث لأن یحمل إمكان الوجود لیرجح وجود ممكن الوجود علی عدمه. ثمّ هذا الأمر الممكن هو صورة فبأنّ فی بعض الصور أنها توجد فیها فیحتاج إلیها لمعنیین [37]أحدهما للحدوث و ثانیهما لأن یتقوم بها وجود الصّورة، و أما النفس الإنسانیة فإنما یحتاج إلیها للحدوث، و زیادة التحقیق فی هذا المعنی و حلّ الشبهة فی سببیة المادة للنفس مما سنذكره فی باب بیان بقائها بعد الموت. و اعلم أنّ المفارق المحض لا إمكان له بحسب الواقع [38]و إلاّلكان لوجوده حامل [39]و إنما إمكانه اعتبار صرف یعتبره الذهن عند ملاحظة ماهیة كلیة له فیجد.

نسبتها إلی الوجود بالإمكان كما مرّ.

---