فی استیناف برهان آخر علی وقوع الحركة فی الجوهر.
إعلم أنّ الطبیعة الموجودة فی الجسم لا یفید شیئاً من الامور الطبیعیة فیه لذاتها لأنها
لو كانت تفعل فی جسمها لكان لها فعل من دون وساطة الجسم، و التالی باطل
فالمقدم مثله.
أمّا بیان بطلان التالی فلأنها قوة جسمانیة ولو فعلت من غیر وساطة الجسم لم تكن
جسمانیة بل مجردة، و أمّا بیان حقیّة الملازمة فلأنّ الطبائع و القوی لاتفعل إلاّ
بمشاركة المادة و الوضع. و برهانه أنّ الایجاد متقوم بالوجود متأخر عنه إذ الشی ء ما
لم یوجد لم یتصور كونه موجداً فكونه موجداً متفرع علی كونه موجوداً؛ فالشی ء إذا
كان نحو وجوده متقوماً بالمادة فكذلك نحو ایجاده متقوم بها. ثم إنّ وجود المادة
وجود وضعی و توسطها فی فعل أو انفعال عبارة عن توسّط وضعها فی ذلك فما لا
وضع لها بالقیاس إلیه لم یتصور لها فعل فیه و لا انفعال له منها، فلو كان لقوّة فعل بدون
مشاركة الوضع لكانت مستغنیة عن المادة فی فعلها، و كل مستغن عنها فی الفعل
مستغن فی الوجود؛ فكانت مجردة عنها هذا خلف. ویلزم من هذا أن لایكون للطبیعة
فعل فی نفس المادة الّتی وجدت فیها إذ لا وضع للمادة بالقیاس إلی ذاتها و إلی ما
حلَّ فی ذاتها و إلاّلكان لذی الوضع وضع آخر هذا محال. فكل ما یفعل المادة أو
مجموعه آثار شهید مطهری . ج11، ص: 684
یفعل فی المادة فیمتنع أن یكون وجودها مادیاً. فالطبیعة الجسمانیة یمتنع أن یكون
لها فعل فی مادتها و إلاّلتقدمت المادة الشخصیة علی المادة.
فاذن جمیع الصفات اللازمة للطبیعیة من الحركة الطبیعیة و الكیفیّات الطبیعیة
كالحرارة للنار و الرطوبة للماء من لوازم الطبیعة من غیر تخلل جعل و تأثیر بینها و
بین هذه الامور. فلابدَّ أن یكون فی الوجود مبدء أعلی من الطبیعة و لوازمها و آثارها،
و من جملة آثارها اللازمة نفس الحركة، فیكون الطبیعة و الحركة معین فی الوجود.
فالطبیعة یلزم أن یكون أمراً متجدداً فی ذاتها كالحركة بل الحركة نفس تجددها
اللازم.
و كذا الكیف الطبیعی و الكم الطبیعی یكون حدوث كل منهما مع حدوث الطبیعة و
بقاؤها مع بقائها، و كذلك فی سائر الأحوال الطبیعیة و معیّتها مع الطبیعة فی الحدوث
و التجدد و الدثور و البقاء إلاّأنّ فیض الوجود یمرّ بواسطة الطبیعة علیها، و هذا معنی
ما قالوا فی كیفیة تقدم الصّورة علی المادة إنها شریكة علة الهیولی لا أنّ الصّورة فاعلة
لها بالاستقلال أو واسطة أو آلة متقدمة علیها لأنهما معاً فی الوجود، و هكذا حكم
الطبیعة مع هذه الصفات الطبیعیة الّتی منها الحركة، فیلزم تجدد الطبیعة و استحالتها فی
جمیع الأجسام؛ فإنّ الأوضاع المتجددة للفلك تجددها بتجدد الطبیعة الفلكیة
كالاستحالات الطبیعیة و الحركات الكمیة الّتی فی العنصریات، من البسائط و
المركبات.