العلة المعدّة و العلة المعدة هی علة بالعرض لابالذات
أما أنه لیس الحدوث سبب الحاجة إلی العلة بالذات فلأنه لو كان كذلك لم یكن ماهیة
المبدعات معلولة و لیس كذلك لأنها لإمكانها و لاضرورة طرفیها یحتاج فی وجودها
إلی مؤثر لامحالة لاستحالة رجحان أحد الطرفین المتساویین من غیر مرجح. قالت
الحكماء: الحدوث هو مسبوقیة وجود الشی ء بالعدم و هی صفة لاحقة لوجود الشی ء و
وجوده متأخر عن تأثیر العلة فیه، و تأثیر العلة فیه متأخر عما لأجله احتاج إلی المؤثر،
فإذن یمتنع أن یكون الحدوث علة للحاجة أو شرطاً أو جزءاً للعلة و إلّالكان متقدماً
علی نفسه بمراتب و ذلك ممتنع.
أقول: و فی قولهم «إنّ الحدوث صفة لاحقة للوجود» تسامح لما علمت أنّ الحدوث
لیس من الصفات اللاحقة للوجود الحادث، و قد مر أیضاً أنّ كل وجود فی مرتبة من
المراتب كونه فی تلك المرتبة من المقومات له، لكن هذا لایقدح فی المقصود. فالحاصل
أن لاشك فی احتیاج المحدث إلی السبب و ذلك الاحتیاج إما لإمكانه أو لحدوثه بوجه
لأنا لوقدرنا ارتفاعهما بقی الشی ء واجباً قدیماً، و هذا الشی ء لایكون محتاجاً إلی السبب
فإذا ثبت أنّ هذه الحاجة إما للإمكان أو للحدوث و قد بطل أحدهما و هو الحدوث بقی
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 979
الآخر و هو كون الإمكان محوجاً لاغیر.
أقول: الحقّ أنّ منشأ الحاجة إلی السبب لاهذا و لاذاك، بل منشأها كون وجود
الشی ء تعلقیاً متقوماً بغیره مرتبطا إلیه، و قولهم «إنّ إمكان الماهیة من المراتب السابقة
علی وجودها» و إن كان صحیحاً إلّاأنّ الوجود متقدم علی الماهیة تقدم الفعل علی
القوة و الصورة علی المادة، إذ ما لم یكن وجود لم یتحقق ماهیة أصلا، و الوجود أیضاً كما
مر عین التشخص و الشی ء ما لم یتشخص لم یوجد، و الإمكان متأخر عن الماهیة لكونه
صفتها فكیف یكون علة الشی ء و هی الإمكان فرضاً بعد ذلك الشی. أعنی الوجود
نفسه؟ ! و الذی ذكروه من قولهم أمكن فاحتاج فوجد صحیح إذا كان المنظور إلیه هو
حال ماهیة الشی ء عند تجردها عن الوجود بضرب من تعمّل العقل. و نحن لاننكر أن
یكون إمكان الماهیة علّة لحاجته إلی المؤثر لما مرَّ أنَّ إمكانها قبل وجودها أی اتصافها
بالوجود لأنَّ هذا الاتصاف أیضاً فی الذهن و إن كان بحسب الوجود الخارجی كما سبق.
و أما أنَّ الحدوث منشأ الحاجة إلی العلة بالعرض فلأنَّ كل حادث كما ذكروه یسبقه
إمكان الوجود، و هذا الإمكان صفة وجودیة لیس مجرد اعتبار عقلی فقط بل یتفاوت
شدة و ضعفاً قرباً و بعداً، و القریب استعداد و البعید قوة، فلایخلو إما أن یكون جوهراً
أو عرضاً و لایجوز أن یكون جوهراً یقوم بنفسه و إلّالما اتصف به شی ء، و لم یكن
اتصاف بعض الأشیاء بإمكان واحد قائم بذاته أولی من غیره، فلابد لإمكان الحادث
من محل فیكون صورة فی مادة أو عرضاً فی موضوع. و علی أی الوجهین یسبق الحادث
بحسب الزمان و یبطل عند وجوده لكن لایجوز أن یكون ما یقوم به إمكان الحادث أمراً
لاتعلق له بالحادث، فإنه لیس كونه إمكاناً لهذا الحادث أولی من أن یكون إمكاناً لغیره.
فحامل قوة الحادث و إمكانه لابد و أن یكون هو بعینه حامل وجوده أو حامل جزء
منه أو حامل ما معه. فإمكان الحادث و إن كان فی ذاته أمراً وجودیاً لكنه من حیث إنه
عدم للحادث و قوة علیه لابدَّ و أن لایجامع وجوده و فعلیته. و لذا عدّ بعض القدماء
العدم من جملة الأسباب لوجود الشی ء الحادث فكان العلل عند هؤلاء خمسة: العدم و
الفاعل و الغایة و المادة و الصورة. و التحقیق أنه لیس من العلل الذاتیة بل علّة بالعرض
و إلّالم یبطل عند حصول المعلوم بل المادة الحاملة له هی من الأسباب الذاتیة.
و أیضاً تقدم عدم الحادث علی وجوده تقدم زمانی و هذا التقدم بعینه یرجع إلی
تقدم أجزاء الزمان بعضها علی بعض فللعدم تقدم بالعرض لابالذات، و لعل مبنی قولهم
بأنَّ العدم من الأسباب الذاتیة لوجود الزمان (الحادث ظ) إنَّ موضوع الحدوث
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 980
بالحقیقة هو أجزاء الحركة و الزمان و هما من الاُمور الضعیفة الوجود الّذی انقضاء كل
جزء بل فرد منها یوجب وجود جزء آخر أو فرد آخر منها؛ فعلی هذا صح إنَّ العدم
سبب ذاتی لوجود الحادث بوجه.
مجموعه آثار شهید مطهری . ج12، ص: 981